رحيل اول سوداني يجلس في قاعات الكلية الملكية بإنجلترا متخصصا في أمراض الذرة و أشعتها

ضاقت باحة مقابر البكري بام درمان على سعتها بالمئات من سكان حي برمبل والذي اطلق عليه مؤخراً حي البوستة والحزن يكسو الوجوه والدموع تغطي الأهداب والعمائم تزيل آثار البكاء ونحيب لا ينقطع وجثمان يوارى الثرى وأبناء ثلاثة هم( كمال ونادر وخالد) يوسدون والدهم يمينه داخل المقبرة وأصوات الدعاء تشق عنان السماء.

عبقري الذرة الذي ارتحل عن الفانية هو البروفيسور عبد الله هداية الله العبقري الذي يعتبر اول سوداني يجلس في قاعات الكلية الملكية بإنجلترا متخصصا في أمراض الذرة و أشعتها . والبروف عبد الله هداية الله كان يتقدم الدفعة الـ(119) طالبا ثانويا الذين فصلتهم الادارة الإنجليزية عندما خرجوا في اول مظاهرة طلابية فاحتضنهم العميد يوسف بدري أب التعليم في السودان ليجلسوا لامتحانات شهادة كمبردج البريطانية ويحقق جميعهم grade one رافعين اسم السودان في جدارة مما أغضب الإنجليز وجعلهم يرددون (ما فيش فايدة) التحق عبدالله هداية الله بطب جامعة الخرطوم وتقدم الصفوف الطبية واصبح معالجا شهيرا لمرضاه وقصدته جماهير غفيرة لتواضعه وجمال معاملاته وطولة باله، ولما التحق بميدلسيكس ببريطانيا ثم بالمستشفى الملكي الجامعي وبدأ تخصصه النادر في أمراض الذرة وأشعتها . اثنى الإنجليز علي تفانيه في الأبحاث الطبية ولثلاث سنوات ظل عبدالله هداية الله موضع إعجاب الخواجات للشاب الذي اختار تخصصا نادرا في الطب.

عاد ليعمل في جنوب الوطن وفي منطقة البحيرات التف حوله سكان جنوب السودان الذين يكنون له الود ويوم وفاته ومن الموجودين منهم (عصروا الفراش).
وعلى حائط صالونه الأنيق كانت شهادة زمالة الكلية الملكية ومؤسس الطب النووي بمستشفي الملك فهد ومؤسس مركز الذرة والأشعة وشهادات كثر تزين حوائط ذاك الصالون.
وفي السودان اصبح اسم بروفسير عبدالله هداية الله مقرونا بمعالج السرطان ومكتشفه باعتبار انه رائد في التخصص وليقنع الأسر السودانية بخطورة الداء اللعين أعلن مجانية الكشف والدواء والمتابعة وكان يزور بعض المرضى ويوصيهم بالمتابعة لذلك أطلقت عدد من النساء اسم ( هداية الله ) على مواليدهم من الذكور والنساء اسمين المولودات ( هداية)
الرجل الذي فقده الوطن هذا الأسبوع كنز من العفة والصدق والأخلاق الفاضلة وصيوان عزائه لازمته ام درمان برجالها ونسائها مواسيات لزوجته التي ارتحلت ولبناته (مسرة ودينا).
أصدقاؤه الكثر أضناهم الحزن وفي دائرة لم تنفض كانوا جلوسا منهم بروفسير عبد السلام صالح وبروف احمد حسب الرسول وبروف ابو القاسم الهادي و د .منصور خالد ود .عمر امام ومع بروف الشيخ عبدالرحمن وبروف حسين محمد احمد كانوا يشكلون ثالوثا أرسى دعائم علاج السرطان في السودان الذي فقد الوطن هذا الأسبوع احد الأفذاذ واعظم الرجال و أنفعهم. والعزاء انه أنجب كمال ونادر وخالد يفتحون داره العامرة بالأوفياء ويحفظون الود ويمدون العطاء لمن يحتاج.
اللهم جاءك عبدالله هداية الله أمدد له مكاناً مع الأبرار واعف عنه واغفر له .. والعشم عندك يا خالق الكون كبيراً.

المصدر: صحيفة الرأي العام

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.