قناة السويس.. مجرى ملاحي عالمي في نسختين

منذ آلاف السنين فكر المصريون القدماء في كيفية ربط البحرين الأحمر والمتوسط، توفيراً للوقت والمجهود، وفي عام 1854، ضرب فلاح مصري أول فأس ليشق قناة جديدة لهذا الغرض، أُطلق عليها “قناة السويس”، ثم أُعيد التفكير مجدداً لتنمية هذا المجرى الذي اكتسب أهمية عالمية ليأتي عام 2014 بمقترح شق ممر مواز.

وما بين المجرى المائي الذي يربط البحرين، إلي الممر الملاحي الجديد، الذي يُفتتح غداً الخميس، نحو قرن ونصف قرن، شهد وقائع تاريخية، وأحداث سياسية، كانت قناة السويس شاهدة عليها.

وكالة الأناضول رصدت تفاصيل ومعلومات تربط ما بين قناة السويس والممر الموازي لها، المعروف إعلاميا بـ”قناة السويس الجديدة”، مع استقراء وجهة نظر خبراء حول جدوى الأخيرة التي توصف من قبل مسؤوليين حكوميين إنها “إنجاز تاريخي “.

قناة السويس

مجرى مائي يربط بين البحرين المتوسط والأحمر، يبلغ طوله 193 كيلو مترًا ، بدأ حفره عام 1859 بعد خمس سنوات من حصول الدبلوماسي الفرنسي فرديناند دي ليسبس، على موافقة الخديوي سعيد (حاكم مصر آنذاك)، وموافقة الباب العالي (السلطان العثماني في إسطنبول) عام 1854، واستمر العمل لمدة 10 سنوات.

وبحسب ما ذكره المؤرخ المصري، جورج حليم كيرلس، في كتابه “قناة السويس”، فإن “الاعتماد، خلال سنوات الحفر العشر، كان منصبًا بشكل أساسي على سواعد الفلاحين المصريين الذين بلغت أعدادهم حوالي مليون شخص، مات منهم نحو 125.000 شخصاً أثناء العمل، وسط ظروف بالغة السوء”.

وقبل عام واحد من بداية الحفر، وبالتحديد في العام 1858 أُنشأت “الشركة العالمية لقناة السويس البحرية”، وحصلت على امتياز حفر القناة وتشغيلها لمدة 99 عامًا، على أن تؤول ملكيتها بعد ذلك إلى الحكومة المصرية، بحسب الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس (حكومي).

وتأسست الشركة بحسب المصدر ذاته، على أنها مؤسسة مصرية خاصة، يملك معظم أسهمها مستثمرون مصريون وفرنسيون، لكن أزمة مالية ضربت الحكومة المصرية اضطرتها لبيع نصيبها إلى نظيرتها البريطانية عام 1875، وظلت الشركة تحت السيادة البريطانية الفرنسية حتى تأميمهاعام 1956، ومنذ ذلك الحين تديرها هيئة قناة السويس.

وأُغلقت القناة أمام الملاحة مرتين في الفترة المعاصرة، الأولى كانت وجيزة، وذلك بعد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956، وأُعيد فتحها في 1957، أما الثانية فكانت بعد حرب يونيو/ حزيران 1967 مع إسرائيل، واستمرت حتى عام 1975.

– تاريخ الافتتاح:

في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1869 استقبلت مصر حوالي ستة آلاف ضيف، ما بين ملوك وأمراء وحكام، دعاهم الخديوي إسماعيل (خليفة سعيد في الحكم)، لحضور حفل افتتاح “أسطوري” للقناة.

– تكاليف الحفر:

لا يوجد رقم رسمي بشأن تكلفة مشروع حفر قناة السويس، غير أن مصادر غير رسمية تحدثت أن التكاليف شاملة الحفر والتجهيز والمعدات، وصلت 20 مليون جنيه إسترليني في ذلك الوقت.

– الجدوى الاقتصادية:

ليست هناك معلومات رسمية تتيح التعرف على الشكل النهائي لجدواها الاقتصادي منذ حفرها، لكن بحسب بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (هيئة حكومية )، مطلع الشهر الجاري، بلغت إيرادات قناة السويس (الناتجة عن تحصيل الرسوم من السفن العابرة للقناة) 47 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، بمتوسط 4.7 مليار دولار سنويًا.

وبلغ إجمالي عدد السفن التي عبرت القناة 182.3 ألف سفينة خلال نفس الفترة، تنوعت بين ناقلات نفط، وسفن تجارية، وغيرهما.

“قناة السويس الجديدة”

عبارة عن ممر ملاحي، عُرف إعلامياً باسم “قناة السويس الجديدة”، ويحاذي جزءًا من الممر الملاحي الحالي، يمتد بطول 72 كيلو مترًا، منها 35 كيلو مترًا حفر جاف، ونحو 37 كيلو مترًا توسعة وتعميق لأجزاء من المجرى الحالي للقناة.

هذا الممر ليس قناة منفصلة عن القناة الأم، بل فرعاً جديداً عنها، إذ أن السفن لا تستطيع الدخول إلى المجرى الجديد دون الدخول أولاً للقناة الأم، ثم استكمال رحلتها في القناة الأم ثانية بعد عبور فرعها الجديد، بحسب معلومات وخرائط اطلع عليها مراسل الأناضول.

وبدأ العمل في مشروع الممر الملاحي الجديد في الخامس من أغسطس/آب من العام الماضي، وأعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس (التي أوكل إليها الإشراف على المشروع) في 29 يوليو/تموز الماضي الانتهاء رسميًا من العمل في الممر.

وكانت مصر قد أطلقت التشغيل التجريبي للقناة الجديدة في 25 يوليو/تموز الماضي؛ حيث أعلنت عن بدء عبور 6 سفن، ومن المقرر أن ينطلق التشغيل الرسمي في احتفالية ضخمة يحضرها عدداً من قادة العالم، غداً الخميس، بحسب السلطات المصرية.

– تكاليف المشروع:

“لم تتجاوز التكلفة الإجمالية للمشروع أربعة مليارات دولار أمريكي”، بحسب تصريح لرئيس هيئة قناة السويس، خلال مؤتمر صحفي عقده بمدينة الإسماعيلية (شرق)، يوم 25 يوليو/تموز الماضي.

وكانت الحكومة المصرية استطاعت جمع مبلغ 8 مليارات دولار، عن طريق بيع شهادات استثمار اكتتب فيها المصريون، لتمويل المشروع، بعائد شهري يصل 12%.

– الجدوى الاقتصادية:

طبقًا لتقرير صادر عن هيئة قناة السويس، فإن الإيراد المتوقع من تشغيل المشروع الجديد، سيبلغ 13 مليار دولار خلال السنوات الثماني المقبلة.

وبحسب مراسل الأناضول الذي تحدث إلى عدة مصادر، فإن الانتهاء من حفر الممر الموازي الجديد لقناة السويس، لن يكون الصيغة النهائية لتحديد مدى نجاح المشروع من عدمه، بل يتوقف على المشروعات التي سيتم الإعلان عنها، وتحويل الممر إلى محور لوجيستي وتنموي، تقول الحكومة إنه سيصبح “إنجازًا عالميًا”.

وأعلنت الحكومة المصرية أنها ستبدأ العمل على دراسة مشروعات تنمية المحور فور افتتاح الممر الملاحي مباشرة.

وقال مصدر حكومي بوزارة الاستثمار المصرية، للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن الحكومة انتهت من التعديلات النهائية على قانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وفي انتظار قرار رئيس الدولة بترسيم وتحديد المناطق الجغرافية الخاضعة لقانون المناطق الاقتصادية الخاصة بمحور قناة السويس.

وأشار إلى أن الحكومة ستعلن عن القانون الجديد عقب افتتاح “القناة الجديدة”، وذلك عبر مرسوم رئاسي، وهو ما سيحدد طبيعة النشاط الاقتصادي الذي سيتم في المناطق المختلفة بمنطقة محور قناة السويس.

ورغم أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أصدر تعديلاته على قانون المناطق الصناعية، في الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، من أجل وضع إطار خاص لمشروع قناة السويس الجديدة، غير أن تلك التعديلات لم تذكر على وجه التحديد مشروع القناة الجديدة، فضلاً عن أنها لم تحدد الإطار الجغرافي للمشروع، لاسيما أن القناة تقع في ثلاث محافظات هي السويس، والإسماعيلية، وبورسعيد.

التعديل الأكثر بروزًا، بحسب المصدر الحكومي، يتمثل في إعفاء الهيئة الاقتصادية التي سيتم تشكيلها وفق القانون المرتقب، من رقابة وزارة المالية، لكن ستظل الهيئة خاضعة لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية، وذلك على خلاف ما كان متبعًا في قناة السويس الأم.

وفي تعليق لرئيس هيئة قناة السويس، على الأسس التي تم على أساسها حساب توقعات حجم الإيرادات، قال في تصريحات صحفية إن “لجنة السياسات والتسويق والبحوث بهيئة قناة السويس والمعنية بدراسة حركة السوق العالمية وحركة التجارة الدولية والنمو الاقتصادي العالمي، أجرت البحوث والدراسات المستفيضة للوصول للتوقعات المذكورة”.

وأضاف مميش أن “قناة السويس مجرى ملاحي عالمي يتأثر سلبًا وإيجابًا بحالة النمو الاقتصادي في العالم”، متوقعًا زيادة في حجم التجارة من الصين ودول جنوب شرق آسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

واعتبر، أن التوقعات بزيادة حجم تدفق النفط والغاز الطبيعي من منطقة الخليج إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ستعود بزيادة حركة التجارة المنقولة بحرًا عبر قناة السويس.

إلى ذلك، قال حمدي برغوت، خبير النقل البحري في مصر، للأناضول، إن الزيادة المتوقعة في إيرادات “قناة السويس الجديدة” لن تتحقق قبل عام 2023، طبقًا لاقتصاديات النقل البحري، ودراسة حالة السوق العالمية.

وأشار برغوت إلى أن “إدارة القناة ستضطر خلال السنوات الخمس الأولى من تشغيل القناة الجديدة، إلى سداد مبالغ مالية من إيراداتها، لسد فوائد شهادات الاستثمار التي دفعها المصريون لتمويل المشروع الجديد وهو ما يمثل عبئًا على الإدارة”.

ورأى أن السبيل الوحيد لزيادة إيرادات القناة “هو زيادة حمولات السفن المارة بالقناة والمرتبطة بتنامي حركة التجارة العالمية وليس بمشروع التطوير الحالي”.

يحيى رشدى، وكيل مدير إدارة التخطيط والبحوث والدراسات، رئيس قطاع اقتصاديات النقل البحرى، بهيئة قناة السويس، قال للأناضول إن “قناة السويس الجديدة لا تختلف عن القديمة من حيث العمق أو العرض أو المساحة، ولكن من المتوقع أن تتضاعف حجم الإيرادات المحققة من القناة الجديدة خلال عام 2023”.

ورغم أن رشدي، اعتبر أنه من الصعب التنبؤ أو تحديد حجم وأعداد السفن المتوقع مرورها فى القناة الجديدة، خلال العام المقبل، لكنه قال إن “نسبة مساهمتها (الجديدة) فى منظومة التجارة العالمية ستزيد على النسبة الحالية وهى 8%”.

واعتبر أن أهمية المشروع الجديد “تكمن فى تنمية محوره، وطرح سلسلة من المشروعات لتنميته، حتى لا يقتصر دور القناة على كونها ممرًا ملاحيًا، بل يصبح لها دور كبير فى نقل البضائع مثل سنغافوره، وجبل علي بالإمارات، نظراً للخدمات اللوجيستية المصاحبة لنقل البضائع”.

الاناضول

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.