أب يعلم طفلته الإدمان

لم تتوقع الفتاة التي كانت تحلم مثل قريناتها بالحصان الأبيض الذي يلتقطها من أرض العزوبية إلى فضاء البيت والزوج والأبناء، أن يكون حصانها أسود له قرنان، يغرس قرناه في خاصرتها وقلبها، قبل أن يبدأ في نهش عظامها.
تزوجت ابنة الجنوب في إحدى المحافظات النائية، أقيم لها عرس مثل زميلاتها، جمع الكل من أقارب وأصدقاء للأسرتين، وذهبت معه إلى عش الزوجية، الذي كانت تحلم فيه بعصافير وفراشات، وزهور ويرقات، استقبلها العريس بوجه بشوش، لكنه دعاها إلى الانتظار، أخرج سيجارته وألقاها بين شفتيه، داعبها، فيما كانت العروس لا تعبأ بعبث عريسها، لكن الهواء الذي في شقتهما ملأه الضلال، فاستنشقت غبارا وترابا.

سألته رائحة نفاذة لا يطيقها أحد، كيف تعبأ أن تعبث بها طيلة هذا الوقت، لم تكن الفتاة سوى عفوية، فهي قروية الملامح، وإن كانت تعيش في مدينة تضج بالحياة، لكنها مستورة في منزل لا يدرك أن الضلال يمكن أن ينال منها من بوابة الحلال.
صارحها الزوج وأبلغها أنها سيجارة من نوع خاص، تأتيه خصيصا، فلم تعبأ بما يقول ظنا أنها سيجارة عارضة، فهي لا تعرف إلا فارقا بين سيجارة وشيشة، واحدة يقترب دخانها من عنان السماء، والأخرى تتمزق بها الأحشاء.
تجاهلت ما هو فيه، فاليوم عرسها، وأحلامها في البناء يجب ألا يبددها دخان السيجارة، لكن في اليوم التالي تكررت نفس السيجارة، لكنها لم تلحظ ما هي فيه، إلا بعدما تحرك الجنين في أحشائها، وخرج إلى الدنيا صارخا، لكنه وجد في يد أبيه سيجارة حشيش، عندها أدركت أنها ليست من أصناف الدخان المعهود، فاستدرجته، لكنه لم يكن يحتاج استدراج، فهو الرجل والوحش العملاق، ومن في حوزته امرأة تأتمر بأمره، ولا تخرج عن طوعه.
أبلغها أنها «حشيش»، ارتمت على فراشها الأصفر الذي بللته دموع المفاجأة، فارتوت شفتاها ببعض من لعابها السائل على لوح الصمت، خرست جوانبها، فهي ابنة القرية، لكن خاطرها تحطم لأن «زوجي مدمن» هكذا حدثت نفسها، فلم تجرؤ على أن تتحدث مع من قتل فيها كل معاني الفروسية والأخلاق، ماذا تفعل، تذكرت وصية الأب والأم من أبناء القرية، اصبري، لكنها تدرك أن الصبر في قاموسيهما لم يكن طاعة لمخدرات، بل طاعة لتفرد نفسها له «سجادة»، لكنه يريد أن يحيلها إلى حبيبات من «مزة» تتلقفها أسنانه ابتهاجا بليلة الإدمان.
قررت الرفض والخروج عن الطاعة، لكن حال أسرتها ومصيرها بعد الطلاق ربما يجعلانها تصبر وتعيش الصبر، فعاشت معه أشهرا عجافا، تأكل صبرها يوما، وترتوي من حوض الصبر أياما، لكنها في النهاية عجزت عن الصبر، فقررت الخروج بلا عودة، طالبته بالتخلي عن سيجارته فرفض، فخيرته بينها وبين نزواته ومخدراته، فاختار ضلاله عن حلاله، فودعت منزلها بطفلتها حاملة معها لقب «مطلقة» بدلا من حقائب تهدى وذهب يزين أم الطفلة.
قاتل الأب ليسترد من يعتبرها فلذة الكبد، لكن عمر الصغيرة لم يمكنه من التهام طفلته، فبقيت في حضانة والدتها سبع سنوات، قبل أن يستردها الأب بدافع «الوصاية» بأمر المحكمة، حاولت استرضاءه ليترك ابنتها، لكنها فشلت، ففتحت عزاء في وداعها تأكيدا على موت ابنتها مع أب لا يعرف الأخلاق ولا نوازع الخير.

33333346

#المرصد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.